الأسعار في ارتفاع مشط.. والمنافسة بين التجار تحتد
ضجيج وصياح يهز المسامع..تجمعات نسائية في شكل حلقات ينتظرن بفارغ الصبر منذ بزوغ الشمس، بأعين حادة ووجوه مضطربة، مركزات على بائع الفريب بسيدي البحري متى يفتح “بالة” الفريب..
دقت الساعة العاشرة، ترى هجوما وإقبالا بخطى ثابتة يتفحصن فيه الملابس بكل دقة، بحثا على أحدث الموضة والماركات العالمية..
ماهو سر إقبال التونسيين على الفريب رغم إرتفاع أسعاره ؟
دقائق معدودة، تقدمت فيها مهرولة تحث الخطى إلى قلب المحل المنتصب على الطريق العام بسيدي البحري..وشرعت تتفحص المعطف وتلمس فروه الناعم وحزامه الخشن و أزراره الدائرية..50 دينار هو مبلغ لا بأس به ضحت به أماني هلال من أجل ماركته العالمية “ريفر أيلند” حيث رأت أن سعره جد مناسب، يمكنها من إقتناء ما تريد عوض أن تدفع أضعاف المبلغ وشراء قطعة واحدة من محل للملابس الجديدة.
“الفريب هو المكان الوحيد الذي أجد فيه كل ما أشتهي وأريد و أنا حريفة وفية لهذا المكان” هكذا قالت أماني التي كانت في العقد الثالث من عمرها والتي إعتادت المجيئ كل صباح قبل دخولها العمل حتى لا تفوت أي “بالة”.. في حين أكدت إدمانها على الفريب وعرجت بالقول “لبستي كلها مالفريب وديما نخرج مزيانة “.
اضطرار وليس خيار
حال أماني كحال أغلب التونسيين حيث أن الفريب أصبح فرصة لمختلف الطبقات الإجتماعية للحصول على أحدث الموضة العالمية رغم غلاء أسعاره..ترى العم يحي يقلب الأحذية بشارع باب الخضراء في أحد المحلات متعجبا ومتذمرا من غلاء الأسعار ومن هذا الإرتفاع المشط معتبرا الفريب هو المنقذ الوحيد “للزواولة”.
“وقت الغفلة مشى” هكذا قال العم يحيى ملوحا بيده إلى بعض التجار متمتما ببعض الجمل غير المفهومة معتبرا إياهم يستغلون ضعف المواطن التونسي جراء عدم توفر البديل، فتجار الفريب اليوم يفهمون في الماركات العالمية وينتقون أحدث الموضة ويبيعونها بأسوام باهظة على عكس الفريب في القديم فقد كان أغلى حذاء لا يتجاوز 10 دنانير لكن اليوم أصبح الحذاء الرياضي ثمنه أكثر من 150 دينارا وهذا لا يمكن تحمله حقيقة “نحن عنا كان الفريب يزيد يغلوه آش قعد للزوالي”.
مرورا بجميع محلات سيدي البحري وصولا إلى آخره أمام بائع الأكلات التونسية تجده منهمكا ينتظر قدوم صانعه و”البالة” خاصته لفتحها، متحدثا مع حرفائه وكأنه مع عائلته يتبادلون أطراف الحديث ويتحدثون عما تحتويه “بالة” اليوم، من معاطف من أعلى طراز وأقمصة عالية الجودة.
كر و فر
إحتداد المنافسة بين التجار زاد الوضع سوءا.. إضافة إلى تكلفة اليد العاملة الواحدة والتي تجاوزت 30 دينار في اليوم وغلاء الكراء الذي يتراوح بين المليون دينار و 3 ملايين شهريا على أقصى تقدير..
“قلبي تعبى بصراحة” هكذا عبر تاجر فريب بسيدي البحري هيكل العبيدي وقد قضى 15 سنة في الميدان.. مضيفا أن كثرة البائعين في هذا القطاع وخاصة أعوان الشرطة والدوريات عرقلوا حركتنا وهذه من أبرز الأسباب التي جعلتنا نزيد في الأسعار، خصوصا وأن “بالة الفريب” قد أصبح ثمنها ثلاث أضعاف ما كانت عليه أي ما يقارب 600 و700 و900 دينار كأقصى تقدير في حين كانت ب200 دينار.
أشار هيكل وقد تغيرت ملامح وجهه ونبرة صوته معبرا عن غضبه واستياءه لحال أصحابه وحاله.
“دائما نجد من يضع العصا في العجلة” و”ساعات نحشم كيف نقول المريول ب 20 دينار” هكذا رد صاحب المحل هيكل مضيفا أن الفريب أصبح يشوبه العديد من المشكلات وقال أن بعضا من أصحاب المصانع الكبرى في السجون بسبب الديون والمشاكل بين أعوان الديوان مما أدى إلى غلق العديد من المصانع وتسبب في بطالة الآلاف ..
برغم الأزمة التي عرفها التونسيين من ركود اقتصادي، إلا أن الفريب له جمهوره المحب والوفي معتبرينه المنقذ الوحيد لمسايرة الموضة..على أمل وجود البديل فهل سيشكل الفريب خطرا على تجار الملابس الجديدة أم أن الاختلاف في التجارة لا يفسد للود قضية ؟.
نورهان البورزقي